الاثنين، 1 نوفمبر 2010

الحجاز وشعراء المهجر

كنت أقرأ في مئوية حمزة شحاتة كيف أن في شعره فيه "من دفق أدب المهجر والرابطة القلمية بنيويورك؛ عند جبران خليل جبران، وايليا أبي ماضي، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني." فتأكد لي أن الخلفية الثقافية الحجازية التي أرتكز عليه ذواقة لأدب المهجر ولعلي أشير إلى المرحوح حمزة شحاتة لتعليل اهتمامي بشعر جبران. رابط مئوية شحاتة: http://alfagih.net/Bakka%20Magazine%20Second%20Issue.pdf

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

العود أحمد

ما جانتي فرصة أكتب "العود أحمد" قبل هذه المرة فقررت اختيارها كعنوان بعد فترة خمول وتجاهل للموقع .... أراكم غدا!!!!

الثلاثاء، 23 مارس 2010

مناقشة فيلم جبران (4)

أخيرا بالنسبة لهذا السؤال؛ الشعب الأمريكي بشكل عام ذاكرته حية فلا ننسى أن التاريخ الثري في القصص والأحداث ،، والأدب والإعمار ،، والشعر والإختراع يفوق عمر هذه الدولة الفعلي والذي هو ما دون 250 عام ... سوف أستعجب لو أن أمريكا نسيت جبران فهناك العديد من الناس الذين ينهلون من نهر إبداعاته الأدبية وذلك وحده يضمن خلود جبران.

الخميس، 18 مارس 2010

مناقشة فيلم جبران (3)

حول العمارة (تابع)
أما أن تكون العمارة ملك للجالية فهي فكرة حرية بالمناقشة. ولكن ربما لا ترغب "الجالية" (بالرغم من اعتراضي على وصف جالية لأنني لا أعتقد أن الأمريكيين من أصول عربية يمكن اختزالهم في وصف أضيق بكثير من واقعهم) وأنا أقول هنا "ربما" لا ترغب في امتلاك أي شيئ لها. فعلى سبيل المثال حديقة النصب التذكاري هي هدية من العرب الأمريكيين إلى بقية الشعب الأمريكي. أنا شخصيا أعتقد أنه بالعطاء والمساهمة سوف نملك رصيدا أكبر من الإحترام والتقدير.
لدي نقطة أخيرة سوف أدرجها غدا

الأربعاء، 17 مارس 2010

مناقشة فيلم جبران (2)

السؤال الثاني من الدكتورة عفاف والخاص بالعمارة التي زرتها في الفيلم:

- أن السكان الذين يعيشون فيها الآن لايعلمون بتاريخ هذه العمارة ، على الأقل من حيث وجود أديب عبقري في تلك العمارة ؟
وكنت أتمنى أن تكون تلك العمارة ملك للجالية العربية في أمريكا وأن تتحول إلى متحف لجبران أو على أقل تقدير أن توضع لافتة على البناية تقول : ( كان هنا جبران ) حتى لاينطمس ويذوب هذا المعلم الذي أراه من الأهمية بمكان !


لقد دار في خلدي ذلك التساؤل بل أنني كنت مستغربا من عدم معرفة ذلك الساكن بتاريخ العمارة وأنها كانت تضم بين كنفاتها ذلك الكيان الجبراني فكرا وعاطفة وإبداعا. عندما سألته فهمت أنه طالب ليس من المنطقة وأنه حديث عهد بمدينة بوسطن؛ فعذرته. ما كانت لتسهى تلك المعلومة عنه ولا عن غيره لو وجدت لوحة توثق تلك الحقيقة؛ ولكن قبل أن أبدأ بعاطفة مثارة أن أبحث عن موطن الخلل تذكرت أن المنطقة كافة – بما فيها ذلك المبنى ومبنى مدرسة كويزي القديم – قد حددت كمنطقة تاريخية محمية. وذلك يعني أن بإمكان شخص يتحلى بمقومات القيادة أن يأخذ على عاتقه حملة لتحديد جميع تلك الأماكن التي حل بها جبران لوضع لائحة توثق تلك الحقيقة. أبشرك يا دكتورة عفاف أن ذلك الشخص موجود واسمه بوب آندروز Bob Andrews ، ربما لا يكون من البديهي لماذا يقوم شخص بذلك الإسم لقيادة حملة هدفها ابقاء اسم جبران حيا في أمريكا؛ الحقيقة هي أن بوب عربي العرقية ومع أن جيلا أو اثنين يفصله عن العالم العربي إلا أن عروبته يافعة في قلبه. لقد تحدثت إلى بوب الأسبوع الماضي مستفسرا عن غياب أي إشارة إلى جبران على المبنى فأخبرني أن هناك عدة أماكن أخرى تزدان بلوح يتحدث عن جبران وأن هناك جهود مستمرة للتعرف على أماكن أخرى ووضع المعرّف الملائم. لا أنسى أن أذكر أن بوب هو الشخص الذي يقود حملة إصدار طابع بريدي لجبران.
سوف أعود غدا لإكمال الحديث حول هذه النقطة

الثلاثاء، 16 مارس 2010

إجابة على أسئلة نقاش فيلم "اقتفاء لأثر جبران"

عزيزتي الدكتورة عفاف يماني ،،

تحية ،،

رغبت في الإستجابة إلى تعليقك على الفيلم الوثائقي "اقتفاء لأثر جبران":


هنالك عدة احتمالات ربما أدى أحدها أو ربما مجتمعة إلى عدم وجود إشارة إلى رقم الشقة في البناية التي كان يعيش جبران فيها على 76 شارع تايلور، أولها أن المدة التي عاشها في ذلك العنوان لم تكن محددة في كتب السيرة التي بحثت فيها ولذلك فربما لم يصادف وقوعها في أحدى تلك السنين التي أجري فيها الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة (يتم الإحصاء كل عشر سنوات). نحن نعلم أن جبران كان في لبنان في العام 1900 (وهو أول احصاء بعد انتقال العائلة إلى أمريكا). والإحصاء الذي يليه كان في عام 1910، ونحن نعلم أنه في ذلك العام عاد من باريس إلى بوسطن ومن ثم انتقل إلى نيويورك. أفترض أن الترحال قد حال بينه وبين ملئ الاستبيان الذي من شأنه أن يدرج العنوان كاملا. وللتأكد أمضيت بضعة ساعات في مبنى الأرشيف الوطني يوم أمس 15-3-2010 لم أجد لجبران أثر في أي من الإحصاءات الوطنية للأعوام المحتملة 1900 و 1910 و 1920 و 1930


سوف أعلق على البقية تتابعا

الجمعة، 12 مارس 2010

جبرانيات اليوم

أخيرا في الجرائم والعقوبات
أجل، كيف تستطعون أن تعاقبوا الذين لهم من توبيخ ضمائرهم، وهو أعظم من جرائمهم، أكبر قصاص على الأرض؟

أليس توبيخ الضمير هو نفسه العدالة التي تتوخاها الشريعة التي تتظاهرون بخدمتها؟

فأنتم لا تستطيعون أن تسكبوا بلسم توبيخ الضمير في قلوب الأبرياء كما أنكم لا تقدرون أن تنزعوه من قلوب الأشقياء

فهو يأتي لذاته في ساعة من الليل لا ننتظرها، داعيا الناس إلى النهوض من غفلتهم، والتأمل بحياتهم وما فيها من التعديات والمخالفات

وأنتم، أيها الراغبون في سبر* غور العدالة، كيف تقدرون أن تدركوا كنهها إن لم تنظروا إلى جميع الأعمال بعين اليقظة في النور الكامل؟

في مثل هذا النور تعرفون أن الرجل المنتصب والرجل الساقط على الأرض هما بالحقيقة رجل واتحد واقف في الشفق بين ليل ذاته الممسوخة ونهار ذاته الإلهية

وأن حجر الزاوية في الهيكل ليس بأعضم من الحدر الذي في أسفل أساساته


سبر* في لسان العرب تأتي بعدة معاني ومنها "التجربة، استخراج كنه الأمر" ولكن عند قراءة البيت بالإنجليزية فيمكن ترجمته إلى "فِهْم" - وهنا الأصل
And ou who would understand justice, how shall you unless you look upon all deeds in the fullness of light?

الخميس، 11 مارس 2010

جبرانيات اليوم

مازلنا في الجرائم والعقاب

لذلك إذا جاء أحدكم بالزوجة الخائنة إلى المحاكمة، فليزن أولا قلب زوجها بالموازين، وليقس نفسه بالمقاييس

وكل من شاء أن يلطم المجرم بيمينه يجدر به أولا أن ينظر ببصيرة ذهنه إلى روح من أوقع الجرم عليه

وإن رغب أحد منكم في أن يضع الفأس على أصل الشجرة الشريرة باسم العدالة فلينظر أولا إلى أعماق جذورها

وهو لا شك واجد أن جذور الشجرة الشريرة وجذور الصالحة، وغير المثمرة، كلها مشتبكة معا في قلب الأرض الصامت

أما أنتم القضاة الذين يريدون أن يكونوا أبرارا، أي نوع من الأحكام تصدرون على الرجل الأمين بجسده السارق بروحه؟

أم أي عقاب تنزلون بذلك الذي يقتل الجسد مرة ولكن الناس يقتلون روحه ألف مرة؟

وكيف تطاردون الرجل الذي مع أنه خداع ظالم بأعماله، فهو موجع القلب، ذليل، مهان بروحه؟

الأربعاء، 10 مارس 2010

اقتفاء لأثر جبران - العرض المتواصل لجميع الأجزاء

جبرانيات اليوم

في الجرائم والعقوبات
إليكم يا أبناء أورفليس هذه الكلمة التي – وإن حلت ثقيلة على قلوبكم – فهي الحقيقة بعينها:
إن القتيل ليس بريئا من جريمة القتل
وليس المسروق بلا لوم في سرقته
لا يستطيع البار أن يتبرأ من أعمال الشرير
ولا الطاهر النقي اليدين بريء الذمة من قذارة المدنسين
كثيرا ما يذهب المجرم ضحية لمن وقع عليه جرمه
كما يغلب أن يحمل المحكوم عليه الأثقال التي كان يجب أن يحملها الأبرياء وغير المحكومين
لذلك لا تستطيعون أن تضعوا حدا يفصل بين الأشرار والصالحين أو الأبرياء والمذنبين
لأنهم يقفون معا أمام وجه الشمس، كما أن الخيط الأبيض والخيط الأسود ينسجان معا في نول واحد
فإذا انقطع الخيط والأسود ينظر الحائك إلى النسيج بأسره ثم يرجع إلى نوله يفحصه وينظفه

الثلاثاء، 9 مارس 2010

جبرانيات اليوم

في الجرائم والعقوبات
قد طالما سمعتكم تتخاطبون فيما بينكم عمن يقترف إثما كأنه ليس منكم بل غريب عنكم ودخيل فيما بينكم

ولكنني الحق أقول لكم: كما أن القديس والبار لا يستطيعان أن يتساميا فوق الذات الرفيعة التي في كل منكم

وكما أن ورقة الشجرة الصغيرة لا تستطيع أن تحول لونها من الخضرة إلى الصفرة إلا بإرادة الشجرة ومعرفتها الكامنة في أعماقها

هكذا لا يستطيع فاعل السوء بينكم أن يقترف إثما بدون إرادتكم الخفية ومعرفتكم التي في قلوبكم

فإنكم تسيرون معا في موكب واحد إلى ذاتكم اللإلهية

أنتم الطريق وأنتم المطرقون

فإذا عثر أحد منكم فإنما تكون عثرته عبرة للقادمين وراءه فيجتنبون الحجر الذي عثر به

أجل، وتكون عثرته توبيخا للذين يسيرون أمامه بأقدام سريعة ثابتة لأنهم لم ينقلوا حجر العثار من طريقه

الخميس، 4 مارس 2010

قدموس ثائرا أو جبران ونزعة التمرد

إليكم مقال كتبه الأستاذ إبراهيم مشارة من الجزائر حول جبران. من الملاحظ أن المقال أعطى مدينة "بشرّي" الكثير ولكنه لم يوفي بحق أمريكا في مسيرة جبران الأدبية والفنية. فقد كانت أمريكا التي اكتشفت تلك الموهبة الكامنة في طفل ذو 12 عام ،، أمريكا هي التي احتضنته من خلال السيدة بيرس والسيدة بيل والسيد داي والسيدة هسكل والتي من خلالهم نمىّ جبران موهبته وحقق العالمية. ولا ننسى أن جبران أصبح من أبناء بوسطن المفضلين من خلال رسوماته التي حظيت باهتمام المدينة قبل أن تصبح الكتابة القصصية والشعرية من أدواته التعبيرية الفاعلة. أتمنى من الأستاذ إبراهيم علق على هذه الملاحظة.


قدموس ثائرا أو جبران ونزعة التمرد
بقلم :إبراهيم مشارة

من غرائب هذه الدنيا التي لا تنتهي وأعاجيبها التي لا تني تفاجئ الإنسان أن بعض المناطق المعزولة في أعالي الجبال أو المشردة في الفيافي و التي لا تعدو أن تكون قرية صغيرة في أحسن الأحوال تصيب من الحظ ومن الشهرة ما لا تصيبه أكبر المدن في الدنيا وذلك كله بفضل شخصية تولد في تلك المنطقة إذ تبدأ مغمورة في أسرة يائسة فقيرة، يتناوب عليها الفقر والجوع والداء العضال ثم تنتهي تلك الطفولة المشردة سليلة الجوع والعري والمرض إلى كهولة ناضجة تشع علما وعبقرية وعطاء يجتهد الدارسون في فهم أسرار عبقريتها وفي كيفية قهرها للظروف كما لا يفوتهم أن يدرسوا الظروف الحياتية التي أنتجت تلك العبقرية فتنال تلك المنطقة الشهرة ويقترن اسمها باسم ابنها الذي غدا شخصية من شخصيات التاريخ الكبيرة.

كذلك كان الشأن مع " بشري " إحدى قرى لبنان المعزولة وكذلك كان الشأن مع فتاها جبران خليل جبران الذي ملأ العالم العربي أدبا وتمردا وشغلا للناس لم ينته برحيله عن هذه الدنيا ، وليس من شأن هذا المقال أن يهتم بالتأريخ لحياة جبران وقد أشبعها الباحثون درسا وتحليلا، ولم يعد فيها ما هو خافي على القارئ العربي إنما يهدف إلى تسليط الضوء على جملة الظروف التي حفت بكاتبنا فأثرت فيه وأثر فيها سلبا وإيجابا ووجدت صداها في كتاباته النثرية والشعرية على السواء وإذا كان لابد من ذكر بعض التواريخ وتتبع مراحل حياة الكاتب فلخدمة غرض المقال ذلك أن الإنسان ابن بيئته وإذا كانت الهندسة التحليلية تعين كل نقطة في الفضاء بفاصلتها وترتيبها وذلك ما يسمونه بإحداثيات نقطة في مستوى فكذلك الشأن مع الإنسان فاصلته الزمان وترتيبه المكان لتتشكل إحداثيات الكائن البشري و أما الفاصلة أي الزمان بالنسبة لكاتبنا فهي العام 1883 وأما الترتيب أي المكان فقرية " بشري " من قرى الشمال اللبناني ، وأما الظروف السياسية السائدة في لبنان في تلك الحقبة و في الشام عموما فطغيان سورة الاستبداد العثماني وقد خضع الشام لسلطة الأتراك الذين استبدوا عن طريق ولاته وقد كانت شمس الدولة العثمانية آيلة إلى أ فول منذ انهزام أسطولها في معركة " نافارين " عام 1827 ، وقد كانت أوروبا الناهضة تتهيأ لاقتسام تركة الرجل المريض و الحلول مكانه في شرق العالم العربي وفي غربه ، ولم يبق من العثمانيين وشوكتهم آنذاك غير استبدادهم بالعرب وبطش ولاتهم بهم و إزهاق الحريات بل الأرواح و فرض الأتاوات والضرائب على السكان لدفع رواتب الجيش و إغراق ضباطه في النعيم حتى لا يثور الجيش على الباب العالي و ينهي حكمه وتحمل العرب ذل العثمانيين و اضطهادهم بكبرياء و شموخ حتى إذا أشرقت شمس القرن العشرين رأيت العرب في الشام و في لبنان خاصة يؤسسون حركة قومية تناهض الحكم العثماني و استبداده وتدعو إلى الاستقلال عنهم و تناضل في سبيل ذلك سرا وعلانية وقد انتهى شأن الكثيرين من أحرار لبنان والشام إلى الإعدام شنقا وجرائم السفاح جمال باشا في العالم العربي مشهورة ومدونة.

وما كان وجود العثمانيين في العالم العربي إلا نزولا به في دركات الجهالة و العماء و قد أدت تلك الحقبة المؤلمة إلى انحطاط اجتماعي تميز بالطبقية الجائرة ففئة من الانتهازيين ناصرت العثمانيين وشكلت طبقتها البيروقراطية في الشام كما شكل لفيف من ضباط الجيش فئة مستفيدة من ريع الحكم الجائر ماديا و اجتماعيا و لعامة الشعب العري والخصاصة و الموت جوعا ومرضا وقد أزهقت الحريات و كممت الأفواه و نصبت المشانق عوض نشر العلم وطبع الكتب و جعل العالم العربي و الإسلامي منارة علم و قطب إشعاع والحق أن الحكم العسكري لا يجلب إلا الوباء الأخلاقي و الفكري و الاجتماعي لأن العسكر حزمة من الغرائز و قبضة حديدية لا تذيبها شمس أغسطس الحارة، وتلك هي ميزة الحكم العثماني الذي كان حكم سيف لا قلم و دولة جهل لا دولة مدنية ورقي.

وقد تسرطنت كل نواحي الحياة بهذا السرطان العام فلحق الحياة الاجتماعية المسخ والتشويه و انحطاط القيم وشيوع الدجل والشعوذة وروح السحر و الخرافة و أخذت العلاقة بين الرجل و المرأة صيغة الحريم التي تنمي في الرجل الشبقية و تختصر المرأة إلى كائن ذي جاذبية جنسية ، وتآمر الإقطاع الزراعي مع الكهنوت الديني ، فغدا الدين الرسمي مباركة للوضع القائم وترسيما له بالنصوص المقدسة وعملا بالقول المأثور " حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم " و " ليس في الإمكان أبدع مما كان " إنها إذا حقبة مظلمة هيأت العالم العربي بعد قرون من السبات والتقليد و الاجترار والاستبداد السياسي إلى الوقوع فريسة للمطامع الأوربية التي اقتسمت عالمنا العربي غنيمة مربحة وزادت من بلائنا و تخلفنا . هذه هي الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي ولد فيها جبران خليل جبران وقد ذاق ككل الأطفال العرب البؤس و الخصاصة و العري في أسرة متواضعة فالأم معدمة مع طيبتها و الأب سكير و الإخوة فرائس لداء الصدر غير أن نور العبقرية لا يلبث أن ينير الحلكات و ترتيب الأقدار سيقوى على الظروف فإذا العزيمة لا تهن وروح المغالبة لا تخمد وهكذا سار الطفل جبران في طريق المعرفة فتعلم ببيروت وأقام أشهرا بباريس ولا شك أن إقامته تلك بباريس قد حسمت مسار حياته بتوجهه إلى الفن و الأدب و باريس كعبتهما فهي موطن الإلهام و ممكن الإبداع ومستودع العبقرية تعج أرضها بعرائس الشعر وحوريات الفن فعلى أرضها يستقر اللوفر ويجري السين و في حدائقها المنسقة والمزينة بالتماثيل كتب موسيه و فيني أشعارهما الخالدة، غير أن الفتى جبران هاجر مع أسرته إلى الولايات المتحدة شأن اللبنانيين في تلك الحقبة هربا من الاستبداد السياسي وقهر الحاجة و تفشي البطالة و الجوع و المرض ، بحثا عن ظروف حياة أفضل في بلد اتخذ للحرية تمثالا ضخما عند مدخل مدينة نيويورك وهو بلد فتح ذراعيه للمهاجرين والمغامرين من كل حدب وصوب فلا مناص من النزوح إليه أملا في غد مشرق وقد استقر جبران مع أسرته في مدينة " بوسطن " أو " باريس أمريكا " كما تسمى وما أن طفق يكتب حتى أحس بالحاجة إلى التعمق في العربية ودراسة علومها و الإحاطة بأسرارها لأنه أحس بضعف أداته، و عاد إلى لبنان ليقيم أربع سنوات في بيروت متفرغا لدراسة اللغة العربية و التمكن من اللسان العربي ، وفي عام 1908 عاد إلى باريس دارسا للفن على يد النحات الفرنسي الكبير" رودان " وقد حاز في آخر الأمر على إجازة في فن التصوير.

وللسيدة الأمريكية " ماري هاسكل" فضل كبير على تذليل دروب الإبداع للفتى وذلك باحتضانه والتكفل به بالانفاق عليه في أمريكا و في باريس و في تعريف الأمريكيين به و بفنه و بالمعارض التي أقامتها له ولا ريب أنها كانت تكن له حبا عميقا بدليل مذاكرتها وما باحت به من حقائق وقد بلسمت هذه السيدة جراحه بعد رحيل أخته و أخيه ثم أمه بداء الصدر فكانت " ماري هاسكل " الأم و الأخت والزوجة والصديقة أبدلته أمنا بعد خوف و سكينة بعد قلق و بلبال وعيشة لا بأس بها بعد خصاصة و مسغبة، فتفرغ لفنه و أدبه راسما وكاتبا إلى وفاته عام 1931 مخلفا دررا في العربية جددت وجه النثر العربي بتأجج المشاعر وانطلاق الخيال وحلاوة الأسلوب مع سلاسته وقد استعار جبران كثيرا من مفرداته من الطبيعة ففعلت فعلها في القلوب ، بالوقوع على معاني بكر لم تتحقق لكاتب من قبل ، وباقتباساته من العهدين القديم والجديد ، كما أفاد تمكنه من اللغة الإنجليزية الاطلاع على عيون الأدب الأمريكي و الإفادة منه وقد خلف من آثاره باللغة الإنجليزية " المجنون و" النبي " و" السابق" أما مؤلفاته بالعربية فأشهرها " دمعة وابتسامة " و " الأرواح المتمردة " و " الأجنحة المتكسرة " و " المواكب " و " العواصف " وغيرها.

فقد كانت حياة جبران إذن اضطراب و ترحال استهلها بطفولة بائسة معدمة في كنف أسرة يتناوب عليها الجوع و الداء الذي ذهب بأفرادها و أما الأب فمدمن خمر تارك لواجباته ، وحياة اجتماعية متفسخة تعفنت فيها جميع القيم و تنقل بين لبنان و فرنسا و أمريكا بحثا عن ظروف مثلى للعيش و الإبداع ، غير أن ترتيب الأقدار كان في صالح جبران فقيض له السيدة " ماري هاسكل " التي احتضنته و احتضنت فنه وأدبه ثم اشتراكه في تأسيس الرابطة القلمية عام 1920 مع لفيف من أدباء المهجر كميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد ورشيد أيوب ووليم كاتسفليس و أمين مشرق و أمين الريحاني ونسيب عريضة و غيرهم ، كانت تلك الرابطة تجدد في الأدب العربي شكلا و مضمونا و تكتسح العالم العربي حاصدة الإعجاب و التأييد من جماهير القراء العرب و في مجلتها كتب جبران ونشر شعره ونثره ، وبفضلها عرف في المشرق و المغرب.

فلا يمكن فهم تمرد جبران بمعزل عن الظروف التاريخية التي نشأ فيها فقد كان روحا وثابة وعقلا بحاثا ونفسا طموحة غير أن بيئته تسعى لأن توثقه بوثاق الرجعية وتشده إلى عفونة الماضي وآصار الحاضر بحبال سميكة فتائلها الإقطاع الزراعي و السياسي و الديني ولهذا صب عليها جام غضبه فاضحا جبروت الحاكم و نفاق رجل الدين و بلادة ملاك الأراضي الذين اصطلحوا على البدن العربي كالسرطان ينهشون لحمه و يمتصون دمه و يجهزون على البقية الباقية فيه ثم أن حياة أسرته ذاتها المترنحة بين انحراف الأب وعجز الأم و مرض الإخوة وقهر الظروف عمق في نفس جبران مشاعر الحقد والكراهية للظروف التي تحاول أن تغتال فيهم الروح الإنسانية والكرامة البشرية وهو نفسه في حياته كان مثالا للتذبذب والاضطراب فمن حياة من غير أسرة إلى عشرة بغير زواج مع " ماري هاسكل " إلى تناول المخدرات لتناسي الجرح وقهر الزمن و تسلط القدر الذي عمق في نفسه مشاعر الإحساس باليتم إلى الثورة على السماء التي لا تبالي بعذاب المعذبين والتي تتواطأ بالصمت و اللامبالاة و كأنها بكماء خرساء وقد تشفى جبران منها بإنكارها و التعالي عليها لأنها لا تفعل شيئا لتغيير الواقع فتفضح المتدين المنافق وتغتال السياسي المستبد و تصيب بالشلل الإقطاعي الذي ينمي ثروته من امتصاص دماء الفلاحين و استغلال عرق الجبين.

وهناك شيء لا يفوتنا إغفاله وهو نظرة جبران إلى المرأة تلك النظرة التي لا تختصر المرأة في الجاذبية الجنسية وتلقي بها دمية في مخدع الرجل و لا يفوته أن يعيرها بقصورها و بحيضها وهي نظرة العربي اليوم إلى المرأة ، فعلى الرغم من مشاعر الود التي احتفظ بها جبران لماري هاسكل التي وجد في أحضانها الدفء و الرعاية والحب إلا أنه بعقله النافذ أدرك أنها ربما مودة أملتها ظروفه البائسة هو وإشفاق ماري عليه وهذا ليس بحب حقيقي فاتجه بحبه نحو امرأة أخرى هي "ماري إلياس " أو " مي زيادة " تلك الفلسطينية ثم اللبنانية والمقيمة بمصر صاحبة الحس المرهف و الخيال الجامح والقلم السيال والذكاء الخارق و صاحبة الصالون المشهور وقد كانت تتألق فيه يوم الثلاثاء فتغدو أشبه بالمصباح يحوم حوله الفراش وما الفراش إلا نوابغ مصرفي ذلك الزمان كعباس محمود العقاد و أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وقاسم أمين وطه حسين ومصطفى صادق الرافعي ومحمد عبده وغيرهم وقد وجد فيها جبران المرأة الحقيقية التي ظل يبحث عنها ويهيم بها امرأة غير نساء الحريم بل إنسان من لحم ودم وروح و كيان متميز وفردية مستقلة ، ليست ظلا للرجل و لا تابعا له، وقد بادلها مودة بمودة رغم البعاد ، فلم يرها ولم تره حتى فرق الموت بينهما برحيله هو ثم التحاقها بشاطئ العدمية بعده.

وربما أمعن حبران في ثورته وفي تمرده وربما بتأثير من المخدر فتوهم نفسه بوذا أو زرادشت يسوق الحكم ويلقي بالمعاني البكر فشط أحيانا عن الصواب وموقفه من الأسرة فيه شطط ومغالاة فهو يقول في العواصف " إنما الزواج عبودية الإنسان لقوة الاستمرار فإن شئت أن تتحرر طلق امرأتك وعش خاليا " . وهو في بحثه عن المعاني ونبشه في بطون الألفاظ وبحثه عن اللباب يغالي في تمرده وفي مواقفه مسفها القيم والمثل العليا معتبرا إياها جسدا بغير روح أو جثة محنطة من بقايا التاريخ فهو يقول في العواصف : " قلت أؤمن بالله و أكرم أنبياءه و أحب الفضيلة ولي رجاء بالآخرة . فقال : هذه ألفاظ رتبتها الأجيال الغابرة ثم وضعها الاقتباس بين شفتيك، أما الحقيقة المجردة فهي أنك لا تؤمن بغير نفسك و لا تكرم سواها و لا تهوى غير أميالها ولا رجاء لك إلا بخلودها ، منذ البدء و الإنسان يعبد نفسه ولكنه يلقبها بأسماء مختلفة باختلاف أمياله و أمانيه فتارة يدعوها البعل وطورا المشتري و أخرى الله ."

وليس من العسير دحض هذه المقولة التي ترمي إلى إنكار المطلق و المعياري ، وبغيرهما يتسيب الوجود وتغدو الحياة الإنسانية هملا ، وفي التاريخ من الشخصيات من أنكرت "أناها " وضحت بنفسها في سبيل نصرة الحق و الانتصار للإنسانية وفضائلها ، وجبران يعرف ذلك جيدا ، إنما هي آثار الظروف وجراح الواقع التي لم تندمل حتى وهو في أمريكا .

غير أن في بعض أفكار جبران معاني بكر تعزز الحرية الإنسانية وتستخلص اللباب من القشور وهي تستفز عقل القارئ وتدعوه للتأمل و التفكير في مسار حياته معتمدا على " أناه" باحثا عن حريته مثمنا قدراته الشخصية ونوازعه الذاتية ولو استلزم ذلك إنكار الماضي و الولوع بالحاضر : "إن بلية الأبناء في هبات الآباء ومن لا يحرم نفسه من عطايا آبائه و أجداده يظل عبد الأموات حتى يصير من الأموات ".

وأما الثورة التي أحدثها جبران في الأدب العربي فتمكن في أسلوبه الأدبي الذي تجاوز به مدرسة الإحياء في النثر العربي خاصة أسلوب المنفلوطي، وفي نثره شعرية وموسيقى داخلية وروح رومانسية حالمة ثائرة باحثة عن الحرية متعطشة إلى الكمال أو هي ناسوت باحث عن اللاهوت وهنا تمكن عظمة جبران ككاتب و أي إنسان لا يقرأ هذه الكلمات و لا تحرك وجدانه و تستفز عقله وتقع الألفاظ المستمدة من الطبيعة موقع الرضا و الاستحسان من القارئ .." أنت تنظر بعين الوهم فترى الناس يرتعشون أمام عاصفة الحياة فتظنهم أحياء وهم أموات منذ الولادة ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم فظلوا منطرحين فوق الثرى ورائحة النتن تنبعث منهم " ولقد تأثر جبران بالشاعر الإنجليزي الرومنطيقي وليام بليك بعد أن قرأ شعره و تمثل روحه وهو القائل : "اذهب وطور قابليتك على رؤية الرؤى حتى تصل بها إلى أفضل ما يمكن أن تكون عليه" فكان في أدبه صاحب رؤيا و كأنه عراف انسدل شعره، وعبثت الريح بأطراف ثوبه الأبيض وتحركت الطبيعة و هدر الوجود بحفيف شجره وخرير مائه ولمعان برقه وهزيم رعده و امتدت نظرة الشاعر وثابة نحو الآفاق لا تنكسر و لا تلين باحثة عن عالم تزداد فيه إنسانية وشهامة وعدلا.

و أما جبران في شعره فكان ناظما أكثر منه شاعرا فلقد تكلف الوزن والقافية فوقع فيما أنكره على غيره ، وفي شعره حاول أن يبدي موقفه من الوجود وجدية العلاقات الإنسانية ومضمونها ، وهو متأثر بنيتشه وببوذا وزرادشت ومحي الدين بن عربي ويسوع فاقتبس معاني كثيرة عنهم وسجنها بين حيطان البيت وسقف القافية فجاءت أدنى مستوى من نثره ذي الروح الشعرية واللمسة الإنسانية.

الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
و أكثر الناس آلات تحركهـــــــــــا
أصابع الدهــر يوما ثم تنكســـــــــر
فأفضــل الناس قطعان يسير بهــــا
صوت الرعـــاة ومن لم يمش يندثر
والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا
به ويستضحك الأموات لو نظـــروا
فالسجن والموت للجانين إن صغـــــــروا
والمجد والفخر والإثراء إن كبروا
فسارق الزهر مذموم ومحتقر
وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر
والحق للعزم و الأرواح إن قويت
سادت و إن ضعفت حلت به الغير
ففي العرينة ريح ليس يقربه
بنو الثعالب غاب الأسد أم حضروا

و تأثر جبران هنا بفيلسوف القوة " نيتشه " صاحب كتاب "هكذا تكلم زرادشت" واضح لا ينكر. وبعد فماذا يبقى من جبران وماذا يثمن من مواقفه ؟ لقد كان جبران ظاهرة أدبية حقيقة بالإعجاب و التقدير مستحقة للخلود الأدبي، تجاوزت شرطها الحياتي بفاصلته وترتيبه كما يقول علماء الرياضة وقهرت ظروفها بعبقريتها و عطائها ومعاناتها الإنسانية ولعل من أثمن مواقفه دفاعه عن الحرية الإنسانية وهي لباب الوجود الإنساني وحملته على التقليد ومقته للتعصب ودعوته إلى التسامح الديني وحربه الشعواء على الإقطاع السياسي والزراعي و الديني وتنديده بالطبقية الجائرة تلك الموبقات التي هدت عافية العرب و أسلمتهم لقمة سائغة إلى القوى الإمبريالية الأوروبية ثم الأسلوب الساحر بروحه الشعرية وتراكيبه البديعة وخياله الخلاق و إيقاعه الشعري تلك الميزات التي تعرج بالقارئ إلى سماوات الفن والهيام على الرغم من بعض سقطاته اللغوية و يشفع له اضطراب حياته وحياته فيما بعد في المهجر يتكلم بغير لغته الأم، وعلى الرغم من إسفافه أحيانا وتعاليه على قيم الدين والحياة وتسفيههما وهذا كله يفهم بالاستناد إلى الخلفية اللاشعورية فقد تركت ظروف القهر ندوبا في نفس نابغتنا لم تقوا أمريكا و لا الزمن على محو آثارها و لا بلسمة الجرح أو تضميده ، لهذا كله حق لنابغة لبنان والعرب أن يخلد في دنيا الإبداع و الأدب وحق لقريته " بشري" أن تنال حظها من الشهرة وهي تلك البلدة الصغيرة المعزولة في شمال لبنان.

إبراهيم مشارة

الثلاثاء، 2 مارس 2010

شكرا لكل من شارك في مناقشتنا هذا الصباح

شكرا لجميع المشاركين في نقاش اليوم لفيلم "اقتفاء لأثر جبران" لقد سعدت بالأسئلة. سوف أجيب بشكل أوفى على تلك الأسئلة في الأيام القليلة القادمة حيث لم يسمح لي ضيق الوقت من إيلاءها حقها.

مع خالص تحياتي وتقديري لكم ،،

وليد جواد

الاثنين، 1 مارس 2010

مناقشة فيلم "اقتفاء لأثر جبران" - 2 مارس 2010 في تمام الساعة 1 بعد الظهر بتوقيت جرينتش - 4 عصرا بتوقيت مكة المكرمة

أتطلع إلى انضمامكم إلى نقاشنا (بالعربية) حول الفيلم الوثائقي لرحلتي اقتفاءً لأثر جبران في الدنيا الجديدة غدا الثلاثاء 2 مارس 2010 في تمام الساعة 1 بعد الظهر بتوقيت جرينتش (4 عصرا بتوقيت مكة المكرمة). الرجاء الضغط هنا ومن ثم ادخال اسمك أو لقبك أو كنيتك للمشاهدة أو المشاركة. كما يمكنك إرسال أسئلتك مسبقا إلى العنوان التالي dot@state.gov


يمكنك مشاهدة الأجزاء الأربع الأول من الفيلم المكون من تسعة أجزاء في هذه المدونة (مدونة جبران خليل جبران http://gibrankahlilgibran.blogspot.com)

اقتفاء لأثر جبران - الجزء الرابع

الأحد، 28 فبراير 2010

الجمعة، 26 فبراير 2010

اقتفاء لأثر جبران - الجزء الثاني

اقتفاء لأثر جبران - الجزء الثاني


الخميس، 25 فبراير 2010

الجزء الأول


اقتفاءً لأثر جبران - الجزء ١ من ٩



قناة جبران على يوتوب

http://www.youtube.com/gibrankahlilgibran

الأربعاء، 24 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

الجرائم والعقوبات

إن ذاتكم الإلهية بحر عظيم

كانت نقيّة منذ الأزل وستظل نقيّة إلى آخر الدهور

وهي كالأثير لا ترفع إلاّ ذوي الأجنحة

أجل، إن ذاتكم الإلهية كالشمس

لا تعرف طرق المناجذ* ولا تعبأ بأوكار الأفاعي

غير أنها لا تقطن وحيدة في كيانكم

لأن كثيرا منكم لا يزال بشرا، وكثيرا غيره لم يصر بشرا بعد، بل هو مسخ لا صورة له يسير غافلا في الضباب وهو ينشد عهد يقظته
* مناجذ: جمع خلد من غير لفظه

الثلاثاء، 23 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

الجرائم والعقاب
إن ذاتكم الإلهية بحر عظيم

كانت نقيّة منذ الأزل وستظل نقيّة إلى آخر الدهوروهي كالأثير لا ترفع إلاّ ذوي الأجنحة

الاثنين، 22 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في البيع والشراء أخيرا

ولا تأذنوا لذوي الأيدي العقيمة من ذوي البطالة أن يشتركوا في معاملاتكم، لأنه لا شيئ لهم يتاجرون به سوى أقوالهم التي يبيعونها لكم بأعمالكم
بل قولوا لأمثال هؤلاء:
"تعالوا معنا إلى الحقل، أو فاذهبوا مع أولادنا إلى البحر وألقوا هنالك شباككم، لأن الأرض والبحر يجودان عليكم، متى عملتم، كما يجودان علينا".

الأحد، 21 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في البيع والشراء ثانيا

إذا ذهبتم إلى ساحة المدينة أيها الدائبون في خدمة البحر والحقول والكروم، فاجتمعوا بالحاكة والخزّافين وجامعي الحنوط والطيوب

واضرعوا في تلك الساعة إلى الروح المتسلطة على الأرض، أن نحلّ عليكم وتبارك مقاييسكم وموازينكم التي تعيّنون بها مقدار ما تجري عليه مقايضاتكم

السبت، 20 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في البيع والشراء

إن الأرض تقدم لكم ثمارها، ولو عرفتم كيف تملأون أيديكم من خيراتها لما خَبرْتُم طعم الحاجة في حياتكم

لأنكم بغير مبادلة عطايا الأرض لن تجدوا وفرا من الرزق ولن يشبع جشعكم

فيجدر بكم أن تتموا هذه المقايضة بروح المحبة والعدالة، وإلا فإنها تؤدي بالبعض منكم إلى الشراهة وبغيرهم إلى الطمع والمجاعة

الجمعة، 19 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في الثياب ثانيا وأخيرا



يقول بعضكم: إن الريح الشمالية دون غيرها قد حاكت الثياب التي نلبسها

وأنا أقول لكم: نعم، إن الريح الشمالية قد فعلت ذلك، ولكن العار كان نولا لها، ولدونة العضلات كانت لها خيطا

وعندما فرغت من عملها ضحكت منكم وهي تعصف في قلب الغاب

ولكن لا يغرب عن أذهانكم أن الحشمة هي ترس منيع متين للوقاية من عيون المدنسين

إذا زال المدنسون من الوجود، أفلا تصير الحشمة قيدا للفكر وتلويثا له في حمأة العبودية؟

لذلك ضعوا نصب عيونكم أن الأرض تبتهج بملامسة أقدامكم العارية، والرياح تتوق إلى مالعبة شعوركم المسترسلة

الخميس، 18 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في الثياب

إن ثيابكم تحجب الكثير من جمالكم، ولكنها لا تستر غير الجميل

ومع أنكم تنشدون بثيابكم حرية التستر والانفراد، فإنها تقيّدكم وتستعبدكم

ويا ليت في وسعكم أن تستقبلوا الشمس والريح بثياب بشرتكم عوضا عن ثياب مصانعكم، لأن أنفاس الحياة في أشعة الشمس، ويد الحياة تسير مع مجاري الرياح

الأربعاء، 17 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في المساكن أخيرا



أنتم يا أبناء الفضاء العائشين في الراحة والنعيم وغير المستريحين، فإنكم لن تؤخذوا بالأشراك ولن يقدر رائض على ترويضكم


لأن بيتكم لن يكون مرساة ولكنه سيكون سارية

كلاّ، ولن يكون غشاءً برّاقا تغطى به الجراح، بل جفنا تحفظ به العين


وأنتم لن تطووا أجنحتكم لكي تستطيعوا أن تدخلوا من الأبواب، ولن تحنوا رؤوسكم لئلا تنطح السقف، كلاّ، ولن تخشوا أن تتنفسوا خوفا من أن تقوض أساسات الجدران وتسقط على الأرض


أجل، ولن تقطنوا في القبور التي بناها أبناء الموت لأبناء الحياة


ومع كل ما يزين منازلكم من الجلال والجمال فإنها لن تستطيع أن تحتفظ بسرّكم أو أن تؤوي حنينكم:


لأن غير المحدود فيكم يقطن في منزل السماء، الذي بوّابته سحابة الصباح ونوافذه سكون الليل وأناشيده

الثلاثاء، 16 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

كلمة في المساكن نحفظها في القلوب



بربكم أخبروني، يا أبناء أورفليس، ماذا تملكون في هذه البيوت؟ وأي شيء تحتفظون به في داخل هذه الأبواب الموصدة؟


هل عندكم السلام، وهو القوة الصامتة التي تظهر ذاتكم الشديدة العزم المستترة في أعماقكم؟


هل عندكم التذكارات، وهي القناطر اللامعة التي تصل قنن الفكر الإنساني بعضها ببعض؟


هل عندكم الجمال، الذي يرتفع بالقلب من مصنوعات الخشب والحجارة إلى الجبل المقدس؟


بربكم أخبروني، هل عندكم كل هذا في بيوتكم؟


أم عندكم الرفاهية فقط، والتحرق للرفاهية الممزوج بالطمع، الرفاهية التي تدخل البيت ضيفا، ثم لا تلبث أن تصير مضيفا، فسيّدا عاتيا عنيفا؟


ثم تتحول إلى رائض جبار يتقلّد السوط بيمينه والكلاب بيساره متخذا رغباتكم الفضلى أُلعوبة يتلهّى بها


ومع أن بنان هذه الرفاهية حريري الملمس فإن قلبها حديدي صلد


فهي تهدئ من حدّتكم لكي تناموا، ثم تقف أمام أسرتكم هازئة بكم وبجلال أجسادكم


تضحك من حواسكم المدركة، وتطرح بها بين الأشواك كأنها أوعية سهلة الانكسار


لأن التحرق للرفاهية ينحر أهواء النفس في كبدها فيرديها قتيلة، ثم يسير في جنازتها فاغرا شدقيه مرغيا مزبدا

الاثنين، 15 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في المساكن



آباءكم وجدودكم إذا خافوا عليكم الضياع والضلال جمعوكم معا لكي تكونوا قريبين بعضكم من بعض. وسيبقى هذا الخوف مجمعا لكم زمنا بعيد. وستظل أسوار المدينة فاصلة مواقدكم عن حقولكم ولكن إلى حين

الأحد، 14 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في المساكن ثانيا



إن بيتك هو جسدك الأكبر


ينمو في حرارة الشمس وينام في سكينة الليل. وكثيرا ما ترافق نومه الأحلام. أفلا يحلم بيتك؟ وهل يترك الحلم المدينة ويسير إلى الغابة أم إلى رأس التلة؟


أوّاه لو أستطيع أن أجمع بيوتكم بيدي، فأبدّدها في الأحراج والرياض كما يبذر الزارع زرعه في الحقول


أودّ لو كانت الأودية شوارع لكم، ومسالك التلال الخضراء أزقة تطرقها أقدامكم عوضا عن أزقتكم وشوارعكم القذرة، ويا ليتكم تنشدون بعضكم بعضا بين الدوالي والكروم ثم تعودون حاملين عطر الأرض في طيّات أثوابكم

السبت، 13 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في المساكن



ابْنِِ من خيالك مظلة في الصحراء قبل ان تبني بيتا في داخل أسوار المدينة


لأنه كما أن لك بيتا مقبلا في شفق حياتك، كذلك للغريب الهائم فيك بيت كبيتك

الجمعة، 12 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في الفرح والترح أخيرا



أجل، إنكم بالحقيقة معلقون كَكِفّتي الميزان بين ترحكم وفرحكم


وأنتم بينهما متحركون أبدا، ولا تقف حركتكم إلا إذا كنتم فارغين في أعماقكم


فإذا جاء أمين خزائن الحياة يرفعمكم لكي يزن ذهبه وفضته، فلا ترتفع كفة فرحكم ولا ترجح كفة ترحكم، بل تثبتان على حالة واحدة

الخميس، 11 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في الفرح والترح ثالثا


يخيل إليّ أن فريقا منكم يقول: "إن الفرح أعظم من الترح"، فيعارضه فريق آخر قائلا: "كلا، بل الترح أعظم من الفرح" .


أما أنا فالحق أقول لكم: إنهما توأمان لا ينفصلان، يأتيان معا ويذهبان معا، فإذا جلس أحدهما منفردا إلى مائدتكم، فلا يغرب عن أذهانكم أن رفيقه يكون حينئذٍ مضطجعا على أسرّتكم

الأربعاء، 10 فبراير 2010

اقتفاء لأثر جبران - الجزء الرابع

رغم أن خليل جبران كان يتذكر سنيه الأولى في بوسطن بشيئ من الرمادية إلا أن تلك السنين الثلاث ما بين 1895 و 1898 وضعته على الطريق الصحيح الذي أوصله إلى شهرة عالمية. لقد كان جبران منذ أول أيامه في عالمه الجديد رحالا يجوب الحي "ساوث إند" South End مستكشفا بحواس فرحة لفتى في سن الـ 12 عاما كل جديد من حوله؛ لونا وصوتا وطعما ورائحة وملمسا. فقد غدى الحي وكأنه ميناءا ترسو فيه العديد من سفن الهجرة التي أبحرت بعرقيات

وجنسيات ولغات وأديان متباينة إلى أمريكا. فالمسرح الإيرلندي يواجهه مسرح الأوبرا وتلاصقه دور الألعاب وغيرها من خيارات الترفيه من معارض الشمع و"صدق أو لا تصدق" إلخ، مما عاف عليه الدهر من مظاهر وعادات لم يعد لها من الوجود إلا ذكرى أو صورة مصفرة كانت يوما "بالأبيض والأسود".

بدأ جبران بحضور دينيزين هاوس Denison House الذي كان حينها مركزا يقابل مدرسة كونزي تُدرِّس فيه طالبات وخريجات جامعيات اللغة والفنون والمهارات العملية لأبناء المهاجرين الجدد. وقد كان يموّل هذا المركز المقتدرون من أهل بوسطن المتركزون في الحي الفاره "باك باي" Back Bay المقابل لحي جبران. ورغم الهوة الطبقية بين الفقراء والأغنياء إلا أن العلاقة بين الإثنين كانت يومية. فقد كان عدد كبير من سكان حي "ساوث إند" South End يعملون لدى أغنياء "باك باي" Back Bay. وقد شهدت تلك الحقبة الزمنية حركة إجتماعية قوية قادها الأثرياء من أهل البلد لمساعدة جيرانهم المغلوب على أمرهم في "ساوث إند" South End في حملة واسعة ومنظمة للتكافل الإجتماعي.

في دينيزين هاوس Denison House بدأت النجوم والكواكب تتشكل لتصطف خلف جبران. أدركت فلورانس بيرس Florence Pierce المعلمة في دينيزين هاوس Denison House الإمكانات الفنية الكامنة في رسوم جبران، فأقدمت على إخبار الناشطة الإجتماعية "جيسي فريمونت بييل" Jessie Fremont Beale الأخصائية في منظمة مساعدة الأطفال Children’s Aid Society. لقد كانت موهبة جبران الفنية تجهر في وجه كل ذي بصيرة. كان قد بلغ جبران حينها سنه الـ 13 عندما أرسلت السيدة "بييل" Ms. Beale خطابا إلى أحد الشخصيات الأدبية والفنية المؤثرة في بوسطن "فريد هولاند داي" Fred Holland Day تطلب منه مقابلة جبران ليتعرف على الإمكانات الفنية الكامنه في هذا الفتى "السوري". لقد كان يعرّف معظم العرب القادمين إلى أمريكا بلقب "سوري" حتى وإن تحدروا من غيرها في العالم العربي. وبالفعل قابله "داي" بعد أسبوعين من إرسالها لذلك الخطاب المؤرخ: 25 / 11 / 1896 وأخذه تحت جناحه.

كان ستوديو السيد "داي" Day في حي "باك باي" Back Bay وكان على جبران أن يعبر قضبان السكة الحديد الفاصلة بين الحيين لكي يترك خلفه "ساوث إند" South End للوصول إلى مرشده ومعلمه. لقد بحثت عن تلك القضبان كي أستشف الأثر الذي تركه جبران متمنيا أن تكون ذات القضبان الحديدية هناك، ولكن العصر تغير ولم يعد للقضبان وجود. لقد استبدل القطار بالسيارة وتحولت السكة الحديدية إلى شبكة من الطرق السريعة. ومع ذلك وبعد البحث والسؤال اكتشفت المكان (أو على الأقل جزءا من المكان) الذي كانت تلك القضبان تفترشه. تخيلت حينها أن جبران كان يعبر القضبان بسهولة فقد كانت ممتدة على الأرض ولكن القضبان ذاتها كانت تفصل بين عالمين بين أثرياء "باك باي" Back Bay والفقراء الذين يقطنون "ساوث إند" South End. لقد تمكن جبران من التغلب على قضبان السجن الطبقي بفضل كل من آمن بموهبته ،، "بيرس" و "بييل" و "داي" وغيرهم ،، وكل من فتح له الأبواب الموصده حتى وإن لم يطلب جبران من أحد أي مساعدة على ذلك.


جبرانيات اليوم

مرة أخرى في الفرح والترح


إذا فرحتم فتأملوا مليا في أعماق قلوبكم تجدوا أن ما أحزنكم قبلاً يفرحكم الآن


وإذا أحاطت بكم جيوش الكآبة فارجعوا ببصائركم ثانية إلى أعماق قلوبكم وتأملوا جيدا، تروا هنالك بالحقيقة أنكم تبكون لما كنتم تعتقدون أنه غياة مسراتكم على الأرض

الثلاثاء، 9 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في الفرح والترح كذلك



كلما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم، تضاعف الفرح في أعماق قلوبكم


لأنه أليست الكأس التي تحفظ خمركم هي نفس الكأس التي أُحْرِقت في أتون الخزّاف قبل أن بلغت إليكم؟


أم ليست القيثارة التي تزيد في طمأنينة أرواحكم هي نفس الخشب الذي قطع بالمدى والفؤوس؟



عاصفة واشنطن الثلجية ٢٠١٠

أثناء استعدادي – وبقية واشنطن – لاستقبال العاصفة الثلجية 2010 ، كان يقول كل شخص يقابلني "هل أنت مستعد للعاصفة ،،، إنه وقت مناسب للتسامر مع كتاب جيد good time to curl up with a good book." مازلت أستعجب من هذه المقدرة العجيبة للناس في أمريكا على تحويلهم لأي وضع سيء إلى شيء إيجابي وبصحبة ممتعة "خير جليس في الزمان كتاب".

الاثنين، 8 فبراير 2010

جبرانيات اليوم


في الفرح والترح



إن فرحكم هو ترحكم ساخرا


والبئر الواحدة التي تستقون منها ماء ضحككم قد طالما ملئت بسخين دموعكم


وهل في الإمكان أن يكون الحال على غير هذا المنوال؟

الأحد، 7 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل أخيرا

أجل إن العمل هو الصورة الظاهرة للمحبة الكاملة

فإذا لم تقدر أن تشتغل بمحبة وكنت متضجرا ملولا، فالأجدر بك أن تترك عملك وتجلس على درجات الهيكل تلتمس صدقة من العملة المشتغلين بفرح وطمأنينة

لأنك إذا خبزت خبزا وأنت لا تجد لك لذة في عملك، فإنما أنت تخبز علقما لا يشبع سوى نصف مجاعة الإنسان

وإذا تذمرت وأنت تعصر عنبك، فإن تذمرك يدس لك سما في الخمرة المستقطرة من ذلك العصير وإن أنشدت أناشيد الملائكة، ولم تحب ان تكون منشدا، فإنما أنت تصم آذان الناس بأنغامك عن الإصغاء إلى أناشيد الليل وأناشيد النهار

السبت، 6 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

كلمة أخرى في العمل

وكثيرا ما كنت أسمعكم تناجون أنفسكم، كأنكم في نوم عميق، قائلين: "إن الذي يشتغل بنحت الرخام فيوجد مثالا محسوسا لنفسه في الحجر الأصم هو أشرف من الفلاح الذي يحرث الأرض

والذي يستعير من قوس قزح ألوانا يحوّل بها قطعة النسيج الحقيرة إلى صورة إنسان، هو أفضل من الإسكافي الذي يصنع الأحذية لأقدامنا"

ولكنني أقول لكم، لا في نوم الليل، بل في يقظة الظهيرة البالغة، إن الريح لا تخاطب السنديانة الجبارة بلهجة أحلى من اللهجة التي تخاطب بها أحقر أعشاب الأرض
والعظيم العظيم ذلك الذي يحول هيمنة الريح إلى أنشودة تزيدها محبته حلاوة وعذوبة

الجمعة، 5 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل والمحبة

وما هو العمل المقرون بالحبة؟
هو أن تحوك الرداء بخيوط مسحوبة من نسيج قلبك مفكرا أن حبيبك سيرتدي ذلك الرداء
هو أن تبني البيت بحجارة مقطوعة من مقلع حنانك وإخلاصك مفكرا أن حبيبك سيقطن في ذلك البيت
هو أن تبذر البذور بدقة وعناية، وتجمع الحصاد بفرح ولذة كأنك تجمعه لكي يقدم على مائدة حبيبك
هو أن تضع في كل عمل من أعمالك نسمة من روحك، وتثق بأن جميع الأموات الأطهار محيطون بك يراقبون ويتأملون

الخميس، 4 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل كذلك

ولكن إذا كنتم وأنتم في الآلام تدعون الولادة كآبة، ودعامة الجسد لعنة مكتوبة على جباهكم، فإنني الحق أقول لكم إنه ما من شيئ يستطيع أن يمحو هذه الكتابة ويغسل جباهكم من آثارها سوى سعيكم وجهادكم

وقد ورثتم عن جدودكم القول إن الحياة ظلمة، فرحتم في عهد مشقتكم تردّدون ما قاله قبلكم جدودكم المزعجون

فالحق أقول لكم إن الحياة تكون بالحقيقة ظلمة حالكة إذا لم ترافقها الحركة

والحركة تكون عمياء لا بركة فيها إن لم ترافقها المعرفة

والمعرفة تكون عقيمة سقيمة إن لم يرافقها العمل

والعمل يكون باطلا بلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة، لأنكم إذا اشتغلتم بمحبة فإنما تربطون أنفسكم وأفرادكم بعضها ببعض، ويرتبط كل واحد منكم بربه

الأربعاء، 3 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل ثالثا

قد طالما أُخْبِرْتُم أن العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة

أما أنا فأقول لكم إنكم بالعمل تحققون جزءا من حلم الأرض البعيد، جزءا خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم

فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة

لأن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها، وتدنيه من أبعد أسرارها

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل ثانيا

إذا اشتغلت فما أنت سوى مزمار تختلج في قلبك مناجاة الأيام فتتحول إلى موسيقى خالدة

ومن منكم يود أن يكون قصبة خرساء صماء، وجميع ما حولها يترنم معا بأنغام متفقة؟

الاثنين، 1 فبراير 2010

جبرانيات اليوم

في العمل

إنكم تشتغلون لكي تجاروا الأرض ونَفَس الأرض في سيرها

لأن الكسول غريب عن فصول الأرض، وهائم لا يسير في موكب الحياة، السائرة بعظمة وجلال في فضاء اللانهاية إلى غير المتناهي

الأحد، 31 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في الغذاء أخيرا

إذا قطفت العنب من كرومك في أيام الخريف، وحملته إلى المعصرة، فقل له في قلبك

"أنا كرمة مثلك، وستجمع أثماري وتحمل إلى المعصرة، وسيضعونني كالخمر الجديدة في زقاق جديدة"

وعندما تستقي الخمرة من زقاقها في أيام الشتاء، أنشد في قلبك أنشودة لكل كأس تشربها

وليكن لك من أناشيدك أجمل التذكارات لأيام الخريف وللكرمة والمعصرة

السبت، 30 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في الغذاء ثانيا

إذا نهشت تفاحة بأسنانك فقل لها في قلبك
"إن بذورك ستعيش في جسدي،
والبراعم التي ستخرج منها في الغد ستزهر في قلبي،
وسيتصاعد عبيرك مع أنفاسي،
وسأفرح معك في جميع الفصول"

الجمعة، 29 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في الغذاء أولا

أود لو أنك تقدر أن تعيش على عبير الأرض
تكتفي بالنور كنباتات الهواء
غير أنك مضطر أن تقتل لتعيش، وأن تسرق المولود الصغير من حضن أمه مختطفا حليبها لتبريد ظمأك
لذلك فليكن عملك مظهرا من مظاهر العبادة ولتكن مائدتك مذبحا تقرب عليه التقادم النقية الطاهرة من الحقول والسهول ضحية لما هو أكثر منها نقاوة في أعماق الإنسان

الخميس، 28 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في العطاء أخيرا
أنتم، الذين يتناولون العطاء والإحسان – وكلكم منهم – فلا تتظاهروا بثقل واجب معرفة الجميل، لئلا تضيعوا بأيديكم نيرا ثقيل الحمل على رقابكم ورقاب الذين أعطوكم

الأربعاء، 27 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في العطاء كذلك

هل في ثروتك شيء تقدر أن تستبقيه نفسك؟
فإن كل ما تملكه اليوم سيتفرق ولا شك يوما ما
لذلك أعطِ منه الآن، ليكون فصل العطاء من فصول حياتك أنت دون ورثتك
وقد طالما سمعتك تقول متبجحاً "إنني أحب أن أعطي، ولكن المستحقين فقط".
فهل نسيت، يا صاح، أن الأشجار في بستانك لا تقول قولك، ومثلها القطعان في مراعيك؟
فهي تعطي لكي تحيا، لأنها إذا لم تعطِ عرّضت حياتها للتهلكة.
الحق أقول لك، إن الرجل الذي استحق أن يقتبل عطية الحياة ويتمتع بأيامه ولياليه، هو مستحق لكل شيء منك
والذي استحق أن يشرب من أوقيانوس الحياة يستحق أن يملأ كأسه من جدولك الصغير
لأنه أي صحراء أعظم من الصحراء ذات الجرأة والجسارة على قبول العطية بما فيها من الفضل والمنة؟
وأنت، من أنت، حتى أن الناس يجب أن يمزقوا صدورهم ويحسروا القناع عن شهامتهم وعزة نفوسهم لكي ترى جدارتهم لعطائك عارية وأنفتهم مجردة عن الحياء؟
فانظر أولا هل أنت جدير بأن تكون معطاء، وآلة العطاءلأن الحياة هي التي تعطي للحياة، في حين أنك، وأنت الفخور بأن قد صدر العطاء منك، لست بالحقيقة سوى شاهد بسيط على عطائك

الثلاثاء، 26 يناير 2010

جبرانيات اليوم

في العطاء - تابع


من الناس من يعطون قليلا من الكثير الذي عندهم وهم يعطونه لأجل الشهرة، ورغبتهم الخفية في الشهرة الباطلة تضيع الفائدة من عطاياهم.

ومنهم من يملكون قليلا ويعطونه بأسره.

ومنهم المؤمنون بالحياة وبسخاء الحياة، هؤلاء لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ممتلئة أبدا.

ومن الناس من يعطون بفرح، وفرحهم مكافأة لهم.

ومنهم من يعطون بألم، وألمهم معمودية لهم.

وهناك الذين يعطون ولا يعرفون معنىً للألم في عطائهم، ولا يتطلّبون فرحا، ولا يرغبون في إذاعة فضائلهم، هؤلاء يعطون مما عندهم كما يعطي الريحان عبيره العطر في ذلك الوادي.

بمثل أيدي هؤلاء يتكلم الله، ومن خلال عيونهم يبتسم على الأرض.

جميل أن تعطي من يسألك ما هو في حاجة إليه،

ولكن أجمل من ذلك أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته، فإن من يفتح يديه وقلبه للعطاء يكون فرحه بسعيه إلى من يتقبل عطاياه والاهتداء إليه أعظم منه بالعطاء نفسه.